فصل: السنة الأولى من ولاية السري بن الحكم الثانية على مصر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


 السنة الأولى من ولاية السري بن الحكم الثانية على مصر

وهي سنة اثنتين ومائتين - على أنه حكم فيها من الخالية من شعبان إلى آخرها حسبما تقدم ذكره‏.‏

فيها أعني سنة اثنتين ومائتين بايع العباسيون إبراهيم بن المهدي ولقبوه بالمبارك المنير‏.‏

وأول من بايع إبراهيم بن المهدي المذكور عبد الله بن العباس بن محمد بن علي العباسي ثم أخوه منصور بن المهدي ثم بنو عمه ثم القواد وخلعوا المأمون من الخلافة لكونه أخرج العباسيين من ولاية العهد وجعلها في العلويين ولبس الخضرة وترك لبس السواد الذي هو شعار بني العباس‏.‏

ووقع بولاية إبراهيم هذا أمور وفتن وحروب آلت إلى خلع إبراهيم هذا وهربه واختفائه كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

وفيها خرج المأمون من مرو يريد العراق وكانت الحرب قائمة بين الحسن بن سهل وبين إبراهيم بن وفيها توفي الحسن بن الوليد أبو علي النيسابوري وقيل أبو عبد الله القرشي كان من خراسان وقدم إلى بغداد وحدث بها وكان يطعم أهل الحديث الفالوذج وقرأ على الكسائي وكان له ثروة ومال ينفقه على العلماء ويغزو الترك ويحج في كل عام‏.‏

وفيها توفي الفضل بن سهل بن عبد الله وزير المأمون وعظيم دولته ذو الرياستين أبو عبد الله كان أبوه سهل من أولاد ملوك المجوس أسلم في أيام هارون الرشيد و اتصل بيحيى البرمكي و اتصل ابناه الفضل هذا و أخوه الحسن بالفضل وبجعفر ابني يحيى البرمكي فضم جعفر البرمكي الفضل هذا إلى المأمون وهو ولي عهد الخلافة فغلب على المأمون بخلاله الجميلة من الوفاء والبلاغة والكتابة حتى صار أمر المأمون كله بيده لا سيما ‏"‏ أنه ‏"‏ لما ولي الخلافة ولاه الأعمال الجليلة‏.‏

وكان الفضل هذا هو القائم بالتدبير في خلع الأمين وقتاله حتى تم له ذلك‏.‏

وتولى الوزارة من بعده أخوه الحسن بن سهل‏.‏

وكان موته بسرخس قتله أربعة من حواشي المأمون في ليلة الجمعة ثالث شعبان في الحمام بسرخس فتتبع المأمون قتلته حتى ظفر بهم وقتلهم‏.‏

وقتل الفضل وهو ابن ستين سنة وقيل إحدى وأربعين سنة‏.‏

وفيها توفي يحيى بن المبارك بن المغيرة أبو عبد الله اليزيدي النحوي العدوي البصري وسمي اليزيدي لأنه كان منقطعًا ليزيد بن منصور الحميري خال الخليفة محمد المهدي كان إمامًا في النحو واللغة والأدب ونقل النوادر وكلام العرب وله تصانيف مفيدة منها‏:‏ كتاب الحيل وكتاب مناقب بني العباس وكتاب أخبار اليزيديين وله أيضًا مختصر في النحو‏.‏

ومات في جمادى الآخرة‏.‏

رحمه الله‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاثة أذرع وعشرون إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعًا وتسعة عشر إصبعًا‏.‏

السنة الثانية من ولاية السري الثانية على مصر وهي سنة ثلاث ومائتين‏.‏

فيها توجه المأمون إلى طوس فأقام بها عند قبر أبيه أيامًا وفي إقامة المأمون بطوس مات علي بن موسى الرضى العلوي ولي عهد المأمون - فدفن عند قبر الرشيد واغتم المأمون لموته ثم كتب لأهل بغداد يعلمهم بموت علي المذكور‏.‏

وعلي هذا هو الذي كان المأمون عهد له وقامت تلك الحروب بسببه‏.‏

ثم كتب المأمون لأهل بغداد ولبني العباس أنه يجعل العهد في بني العباس فأجابوه بأغلظ جواب وقالوا‏:‏ لا نؤثر على إبراهيم بن المهدي أحدًا‏.‏

ثم وقع بينه وبين إبراهيم أمور آخرها أن إبراهيم انكسر وهرب واختفى سنين إلى أن ظفر به المأمون وعفا عنه‏.‏

وفيها غلبت السوداء على الوزير الحسن بن سهل وتغير عقله فقيد بالحديد وحبس في بيت بواسط وأخبر المأمون بذلك فكتب بأن يكون على عساكر الحسن بن سهل دينار بن عبد الله وأن المأمون واصل عقيب كتابه‏.‏

وفيها كانت زلزلة عظيمة سقطت فيها منارة الجامع والمسجد ببلخ ونحو ربع المدينة‏.‏

وفيها اختفى إبراهيم بن المهدي الذي كان بويع بالخلافة في سابع عشر ذي الحجة وبقي مختفيًا عدة سنين‏.‏

وكانت أيامه سنتين إلا بضعة عشر يومًا وخلافته لم يثبتها المؤرخون ولا عده أحد من الخلفاء غير أنه كان بنو العباس بايعوه لما جعل المأمون العلوي ولي عهده فلم يتم أمره وهرب واختفى‏.‏

وفيها وصل المأمون إلى همذان في آخر السنة‏.‏

وفيها توفي حسين بن علي بن الوليد الجعفي مولاهم الكوفي المقرىء الزاهد أبو عبد الله وقيل أبو محمد روى عن حمزة الزيات وقرأ عليه وكان إمامًا ثقة حافظًا محدثًا‏.‏

وفيها توفي علي الرضى بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين وروى عنه ابنه أبو جعفر محمد وأبو عثمان المازني والمأمون وطائفة‏.‏

وأمه أم ولد وله عدة إخوة كلهم من أمهات أولاد وهم‏:‏ إبراهيم والعباس والقاسم وإسماعيل وجعفر وحسن وأحمد ومحمد وعبيد الله وحمزة وزيد عبد الله وإسحاق والحسين والفضل وسليمان وعدة بنات‏.‏

وكان علي هذا سيد بني هاشم في زمانه وأجفهم وكان المأمون يعظمه ويبجله ويخضع له ويتغالى فيه حتى إنه جعله ولي عهده من بعده وكتب بذلك إلى الأفاق فاضطربت مملكته بسببه فلم يرجع عن ذلك حتى مات علي هذا وبعد موته جعل المأمون العهد في بني العباس‏.‏

وفي علي هذا يقول أبو نواس الحسن بن هانىء‏:‏ ‏"‏ الخفيف ‏"‏ قيل لي أنت أحسن الناس طرًا في فنون من المقال النبيه لك من جيد القريض مديح يثمر الدر في يدي مجتنيه قلت لا أستطيع مدح إمام كان جبريل خادمًا لأبيه أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمسة أذرع وثمانية عشر إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وعشرة أصابع‏.‏

M0لنة الثالثة من ولاية السري الثانية على مصر فيها وصل المأمون إلى النهروان فتلقاه بنو هاشم والقواد ودخل بغداد في نصف صفر وبعد ثمانية أيام كلمه بنو العباس في ترك الخضرة ولبس السواد ولا زالوا به حتى أذعن وترك الخضرة ولبس السواد‏.‏

وفيها ولى المأمون أخاه أبا عيسى على الكوفة وولى أخاه صالحًا على البصرة وولى يحيى بن معاذ على الجزيرة فتوجه يحيى بن معاذ إلى الجزيرة وواقع بابك الخزمي الخارجي حتى أخرجه منها‏.‏

وفيها توفي أشهب بن عبد العزيز بن داود بن إبراهيم الإمام العالم الفقيه أبو عمرو القيسي العامري المصري فقيه مصر وقيل اسمه مسكين ولقبه أشهب سمع مالكًا والليث ويحيى بن أيوب وسليمان بن بلال وغيرهم وهو أحد أصحاب الإمام مالك رضي الله عنه الكبار‏.‏

قال الشافعي‏:‏ ما أخرجت مصر أفقه من أشهب لولا طيش فيه‏.‏

وقال سحنون رحمه الله‏:‏ أشهب ما كان يزيد في سماعه حرفًا واحدًا‏.‏

وفضله محمد بن عبد الله بن عبد الحكم على ابن القاسم في الرأي حتى إنه قال‏:‏ أشهب أفقه من ابن القاسم مائة مرة‏.‏

وعن ابن عبد الحكم قال‏:‏ سمعت أشهب في سجوده يدعو على الشافعي بالموت فذكرت ذلك للشافعي فأنشد‏:‏ ‏"‏ الطويل ‏"‏ تمنى رجال أن أمت وإن أمت فتلك سبيل لست فيها بأوحد وكان مولد أشهب سنة أربعين ومائة ومات في الثاني والعشرين من شعبان بعد موت الإمام الشافعي بثمانية عشر يومًا‏.‏

وفيها توفي الإمام الشافعي محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي الإمام العالم صاحب المذهب أبو عبد الله الشافعي المكي ولد سنة خمسين ومائة بغزة وروى عن مسلم بن خالد الزنجي فقيه مكة وداود ابن عبد الرحمن العطار وعبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون ومالك بن أنس صاحب المذهب وعرض عليه الموطأ وخلق سواهم‏.‏

وروى عنه أبو بكر الحميدي وأبو عبيد القاسم بن سلام وأحمد بن حنبل وأبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي وغيرهم‏.‏

وتفقه بمالك ومحمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة‏.‏

وغيرهما وبرع في الفقه و الحديث و الأدب و الرمي وقال محمد بن إسماعيل السلمي‏:‏ حدثني حسينًا الكرابيسي قال‏:‏ بت مع الشافعي غير ليلة وكان يصفي نحو ثلث الليل فما رأيته يزيد على خمسين آية فإذا أكثر فمائة وكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل الله ولا يمر بآية عذاب إلا تعوذ منها‏.‏

وقال إبراهيم بن محمد بن الحسن الأصبهاني‏:‏ حدثنا الربيع قال‏:‏ كان الشافعي يختم القرآن ستين مرة في رمضان‏.‏

وقال الميموني‏:‏ سمعت أحمد بن حنبل يقول‏:‏ ستة أدعو لهم سحرًا أحدهم الشافعي‏.‏

وقال يونس بن عبد الأعلى‏:‏ لو جمعت أمة قلت‏:‏ ومناقب الشافعي رضي الله عنه كثيرة وفضله أشهر من أن يذكر‏.‏

وكانت وفاته في يوم الخميس سلخ شهر رجب من هذه السنة ودفن بالقرافة الصغرى وله أربع وخمسون سنة‏.‏

وكان موضع دفنه ساحة حتى عمر تلك الأماكن السلطان صلاح الدين يوسف ثم أنشأ الملك الكامل محمد القبة على ضريحه وهى القبة الكائنة اليوم علي قبره رضى الله عنه‏.‏

ومن شعره‏:‏ ‏"‏ الكامل ‏"‏ يا راكبًا قف بالمحصب من منى واهتف بقاعد خيفنا والناهض سحرًا إذا فاض الحجيج إلى منى فيضًا كملتطم الفرات الفائض إن كان رفضًا حب آل محمد فليشهد الثقلان أني رافضي قال المبرد‏:‏ دخل رجل على الشافعي فقال‏:‏ إن أصحاب أبي حنيفة لفصحاء فأنشأ الشافعي يقول‏:‏ ‏"‏ الوافر ‏"‏ فلولا الشعر بالعلماء يزري لكنت اليوم أشعر من لبيد وأشجع في الوغى من كل ليث و آل مهلب وأبي يزيد ولولا خشية الرحمن ربي حسبت الناس كلهم عبيدي أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمسة أذرع وأربعة عشر إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعًا وخمسة أصابع‏.‏

M0لية محمد بن السري على مصر هو محمد بن السري بن الحكم بن يوسف الأمير أبو نصر الضبي البلخي ولي إمرة مصر بعد وفاة أبيه السري بن الحكم في يوم الأحد مستهل جمادى الآخرة سنة خمس ومائتين ولاه المأمون على الصلاة والخراج معًا كما كان والده‏.‏

وسكن العسكر وجعل على شرطته محمد بن قابس ثم عزله وولى أخاه عبيد الله ‏"‏ بن السري ‏"‏‏.‏

ولما ولي مصر كان الجروي قد غلب على أسفل أرض مصر وجمع جموعًا وخرج عن الطاعة فتهيأ محمد هذا لقتاله وجهز اليه العساكر المصرية ثم خرج هو بنفسه لقتاله ووقع له معه حروب ووقائع وبينما هو في ذلك مرض ولزم الفراش حتى مات ليلة الاثنين لثمان خلون من شعبان سنة ست ومائتين‏.‏

فكانت ولايته على مصر استقلالًا سنة واحدة وشهرين وثمانية أيام‏.‏

وتولى مصر من بعده أخوه عبيد الله بن السري وكان شابًا عاقلًا مدبرًا حازمًا سيوسًا مهد الديار المصرية في ولايته وأباد أهل الفساد وحارب الجروفي غير مرة وأحبته الرعية غير أنه لم تطل أيامه وعاجلته المنية‏.‏

بن السري على مصر وهي سنة خمس ومائتين‏.‏

فيها حج بالناس عبيد الله بن الحسن العلوي وهو والي الحرمين مكة والمد ينة‏.‏

وفيها ولى المأمون طاهر بن الحسين على جميع بلاد خراسان والمشرق وأعطاه عشرة آلاف ألف درهم كان ولى عبد الله بن طاهر قدم على المأمون من الرقة فولاه على الجزيرة‏.‏

ثم ولى المأمون عيسى بن محمد بن خالد على أذربيجان وإرمينية وأمره بقتل بابك الخرمي‏.‏

وفيها استعمل المأمون عيسى بن يزيد الجلودي على محاربة الزط وكانوا قد طغوا وتجبروا‏.‏

وفيها توفي يعقوب بن إسحاق بن زيد بن عبد الله بن أبي إسحاق الإمام أبو محمد الحضرمي مولاهم البصري قارىء أهل البصرة بعد أبي عمرو بن العلاء وأحد الأئمة القراء العشرة أخذ القرآن عن أبي المنذر سلام الطويل وأبي الأشهب العطاري ومهدي بن ميمون وغيرهم وسمع حروفًا من حمزة وتصدى للإقراء فقرأ عليه خلق وكان أصغر من أخيه أحمد بن إسحاق ومات في ذي الحجة‏.‏

وفيه يقول محمد بن أحمد العجلي يمدحه‏:‏ ‏"‏ الطويل ‏"‏ أبوه من القراء كان وجده ويعقوب في القراء كالكوكب الدري تفرده محض الصواب ووجهه فمن مثله في وقته وإلى الدهر وفيها توفي أبو سليمان الداراني اسمه عبد الرحمن بن أحمد بن عطية وقيل‏:‏ عبد الرحمن بن عسكر العبسي الداراني كان من واسط وتحول إلى الشام ونزل داريا قرية غربي دمشق وكان إمامًا حافظًا كبير الشأن في علوم الحقائق والورع أثنى عليه الأئمة وكان له الرياضات والسياحات وله كرامات وأحوال‏.‏

رحمه الله تعالى آمين‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي روح بن عبادة في جمادى الأولى وأبو عامر العقدي ‏"‏ عبد الملك بن عمر ‏"‏ ومحمد بن عبيد ويعقوب الحضري ومحمد بن عبيد الطنافسي‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربعة أذرع واثنان وعشرون إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وأربعة عشر إصبعًا‏.‏

السنة الثانية من ولاية محمد بن السري على مصر وهي سنة ست ومائتين‏.‏

فيها كان الماء الذي غرق منه أرض السواد ‏"‏ وكسكر ‏"‏ وذهبت الغلات وغرقت قطيعة أم جعفر وقطيعة العباس‏.‏

وفيها نكب الأمير عيسى بن محمد بن أبي خالد بابك الخرفي وبيته‏.‏

وفيها استعمل المأمون على بغداد إسحاق بن إبراهيم‏.‏

وفيها توفي بهيم العجلي الشيخ أبو بكر الزاهد العابد كان رجلًا حزينًا يزفر الزفرة فيسمع زفيره على بعد وكان من البكائين الخاشعين‏.‏

وفيها توفي الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل الأموي المغربي الأندلسي ولي إمرة الأندلس يوم مات أبوه في صفر سنة ثمانين ومائة وعمره اثنتان وعشرون سنة وشهر وأيام ولقب بالمرتضى وكنيته أبو العاص وكان شجاعًا فاتكًا ربط على باب قصره ألف فرس لخاصة نفسه‏.‏

قلت‏:‏ وقد تقدم الكلام على أصل هؤلاء أنهم من ذرية عبد الملك بن مروان وأن عبد الرحمن الداخل خرج في غفلة بني العباس من الشأم إلى الغرب وملك الأندلس‏.‏

وفيها توفي يزيد بن هارون الإمام الحافظ أبو خالد السلمي مولاهم الواسطي ولد سنة ثمان عشرة ومائة‏.‏

قال السراج‏:‏ سمعت علي بن شعيب يقول‏:‏ سمعت يزيد بن هارون يقول‏:‏ أحفظ أربعة وعشرين ألف حديث بالإسناد ولا فخر وكان مع هذا دينًا زاهدًا صلى بوضوء العشاء صلاة الفجر نيفًا وأربعين سنة رحمه الله‏.‏

ومات في شهر ربيع الأول من السنة وله ثمان وثمانون سنة‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي أبو حذيفة البخاري صاحب ‏"‏ المبتد ‏"‏ وحجاج الأعور وشبابة بن سوار ومحاضر بن المورع وقطرب النحوي صاحب سيبويه وموسى بن إسماعيل ووهب بن جرير ويزيد بن هارون وعبد الله بن نافع الصائغ الفقيه صاحب مالك‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمسة أذرع وأربعة عشر إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وثمانية عشر إصبعًا‏.‏

ولاية عبيد الله بن السري على مصر هو عبيد الله بن السري بن الحكم بن يوسف ولي إمرة مصر بعد موت أخيه محمد بن السري بمبايعة الجند له في يوم الثلاثاء لتسع خلون من شعبان سنة ست ومائتين على الصلاة والخراج معًا‏.‏

وسكن العسكر وجعل على شرطته محمد بن عقبه المعافري ولما ولي عبيد الله مصر وقع بينه وبين الجروي الخارجي المقدم ذكره حروب كثيرة ثم حدثته نفسه الخروج عن طاعة المأمون وجمع وحشد فبلغ المأمون ذلك وطلب عبد الله بن طاهر وقال له‏:‏ إني استخرت الله تعالى منذ شهر وقد رأيت أن الرجل يصف ابنه ليطريه وليرفعه وقد رأيتك فوق ما وصفك أبوك وقد مات السري وولى ابنه عبيد الله وليس بشيء وقد رأيت توليتك مصر ومحاربة الخوارج بها فقال عبد الله بن طاهر‏:‏ السمع والطاعة وأرجو أن يجعل الله الخير لأمير المؤمنين‏.‏

فعقد له المأمون لواء مكتوبًا عليه ألقاب عبد الله بن طاهر وزاد فيه يا منصور وركب الفضل بن الربيع الحاجب بين يديه إلى داره تكرمة له ثم خرج عبد الله من العراق بجيوشه حتى قرب من مصر فتهيأ عبيد الله بن السري المذكور لحربه وعبأ جيوشه وحفر خندقًا عليه ثم تقدم بعساكره إلى خارج مصر والتقى مع عبد الله بن طاهر وتقاتلا قتالًا شديدًا وثبت كل من الفريقين ساعة كبيرة حتى كانت الهزيمة على عبيد الله بن السري أمير مصر وانهزم إلى جهة مصر وتبعه عبد الله بن طاهر بعساكره فسقط غالب جند عبيد الله المذكور في الخندق الذي كان عبيد الله احتفره ودخل هو بأناس قليلة إلى داخل مصر وتحصن به فحاصره عبد الله بن طاهر وضيق عليه حتى أباده وأشرف على الهلاك فطلب عبيد الله بن السري الأمان من عبد الله بن طاهر بشروطه وبعث إليه بتقدمة من جملتها ألف وصيف ووصيفة مع كل وصيف ووصيفة ألف دينار في كيس حرير وبعث بهم ليلًا فرد عبد الله بن طاهر ذلك عليه وكتب إليه‏:‏ لو قبلت هديتك نهارًا قبلتها ليلًا ‏"‏ بل أنتم بهديتكم تفرحون ‏"‏ الآية‏.‏

فلما بلغه ذلك طلب الأمان من غير شرط فأمنه عبد الله بن طاهر بعد أمور صدرت فخرج إليه عبيد الله بن السري بالأمان وبذل إليه أموالًا كثيرة وأذعن له وسلم إليه الأمر وذلك في آخر صفر سنة إحدى عشرة ومائتين‏.‏

قال صاحب البغية‏:‏ وعزله المأمون في ربيع الأول وذكر السنة‏.‏

انتهى‏.‏

قلت‏:‏ فكانت ولاية عبيد الله هذا على إمرة مصر أربع سنين وسبعة أشهر إلا ثمانية أيام‏.‏

وتوجه عبيد الله إلى المأمون في السنة المذكورة فأكرمه وعفا عنه‏.‏

السنة الأولى من ولاية عبيد الله بن السري وهي سنة سبع ومائتين‏.‏

فيها حج بالناس أبو عيسى أخو الخليفة المأمون‏.‏

وفيها ولى المأمون موسى بن حفص طبرستان‏.‏

وفيها ظهر الصناديقي باليمن واستولى عليها وقتل النساء والولدان وادعى النبوة وتبعه خلق وآمنوا بنبوته وارتدوا عن الإسلام فأهلكه الله بالطاعون بعد أمور وقعت منه وفيها خرج عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب ببلاد عك من اليمن يدعو إلى الرضى من آل محمد صلى الله عليه وسلم وكان خروجه من سوء سيرة عامل اليمن فبايعه خلق فوجه إليه المأمون لحربه دينار بن عبد الله وكتب معه بأمانه فحج دينار ثم سار إلى اليمن حتى قرب من عبد الرحمن المذكور وبعث إليه بأمانه فقبله وعاد مع دينار إلى المأمون‏.‏

وفيها خلع طاهر بن الحسين المأمون من الخلافة باكر النهار من يوم الجمعة وقطع الدعاء له فدعا الخطيب‏:‏ ‏"‏ اللهم أصلح أمة محمد بما أصلحت به أولياءك واكفها مؤونة من بغى عليها ‏"‏ ولم يزد على ذلك ثم طرح طاهر لبس السواد فعرض له عارض فمات من ليلته فأتى الخبر بخلعه على المأمون أول النهار من النصحاء له ووافى الخبر بموته ليلًا وكفى الله المأمون مؤونته‏.‏

وقام بعده على خراسان ابنه طلحة فأقره المأمون مكان والده طاهر المذكور وكان ذلك قبل تولية ابنه عبد الله بن طاهر مصر بمدة طويلة‏.‏

وطاهر هذا هو الذي كان قام ببيعة المأمون وحاصر الأمين ببغداد تلك المدة الطويلة حتى ظفر به وقتله‏.‏

وكان طاهر المذكور أعور وكان يلقب بذي اليمينين فقال فيه بعض الشعراء‏:‏ ‏"‏ الرجز ‏"‏ وكان في نفس المأمون منه شيء لكونه قتل أخاه الأمين محمدًا بغير مشورته لما ظفر به بعد حصار بغداد ولم يرسله إلى أخيه المأمون ليرى فيه رأيه مراعاة لخاطر أمه زبيدة فلما قتله طاهر المذكور لم يسع المأمون إلا السكوت لكون طاهر هو القائم بدولة المأمون وبنصرته على أخيه الأمين حتى تم له ذلك‏.‏

وفيها توفي الواقدي واسمه محمد بن عمر بن واقد الإمام أبو عبد الله الأسلمي مولده سنة تسع وعشرين ومائة وكان إمامًا عالمًا بالمغازي والسير والفتوح وأيام الناس وكان ولي القضاء للمأمون أربع سنين‏.‏

وفيها توفي الأمير طاهر بن الحسين بن مصعب أبو طلحة الخزاعي الملقب ذا اليمينين أحد قواد المأمون الكبار والقائم بأمره وخلع أخيه الأمين من الخلافة ولاه المأمون خراسان وما يليها حتى خلع المأمون فمات من ليلته في جمادى الأولى فجاءة أصابته حمى وحرارة فوجد على فراشه ميتًا‏.‏

حكي أن عميه علي بن مصعب وحميد بن مصعب عاداه بغلس فقال الخادم‏:‏ هو نائم فانتظرا ساعة فلما انبسط الفجر قالا للخادم‏:‏ أيقظه قال‏:‏ لا أجسر فدخلا عليه فوجداه ميتًا‏.‏

وفيها توفي عمر بن حبيب العدوي القاضي الحنفي البصري‏.‏

هو من بني عدي بن عبد مناف قدم بغداد وولي قضاء الشرقية بها وقضاء البصرة وكان إمامًا عالمًا بارعًا في فنون كثيرة مشكور السيرة محببًا إلى الناس رحمه الله‏.‏

وفيها توفي أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي البصري النحوي العلامة مولى تيم قريش كان من أعلم الناس بأنساب العرب وله مصنفات مشهورة في علوم كثيرة‏.‏

وفيها توفي الهيثم بن عدي بن عبد الرحمن بن يزيد الكوفي صاحب التواريخ والأشعار ولد بالكوفة ونشأ بها ثم انتقل إلى بغداد وكان مليح الشكل نظيف الثوب طيب الرائحة حلو المحاضرة عالمًا بارعًا‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي جعفر بن عون ‏"‏ المخزومي ‏"‏ و طاهر بن الحسين الأمير بخراسان وأبو قتادة الحراني وعبد الصمد بن عبد الوارث وعمر بن حبيب العدوي وأبو نوح قراد وكثير بن هشام والواقدي ومحمد بن كناسة وهاشم بن القاسم والهيثم بن عدي والفراء النحوي‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربعة أذرع وعشرون إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعًا وسبعة عشر إصبعًا‏.‏

على مصر وهي سنة ثمان ومائتين‏.‏

فيها حج بالناس الأمير صالح أخو المأمون‏.‏

وفيها استعفى محمد بن سماعة عن القضاء فأعفي ولى المأمون عوضه إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة‏.‏

وفيها خرج الحسن بن الحسين أخو طاهر بن الحسين المقدم ذكره من خراسان إلى كرمان ممتنعًا بها فسار إليه أحمد بن أبي خالد حتى أخذه وقدم به على المأمون فعفا عنه‏.‏

وفيها ولى المأمون محمد بن عبد الرحمن المخزومي قضاء عسكر المهدية ثم عزله بعد مدة وولى عوضه بشر بن الوليد الكندي‏.‏

وفيها توفي صالح بن عبد الكريم البغدادي أحد الزهاد العباد الورعين‏.‏

وفيها توفي الفضل بن الربيع بن يونس الحاجب الأمير أبو الفضل مولده سنة أربعين ومائة وحجب للرشيد واستوزره‏.‏

ولما مات الرشيد استولى على الخزائن وقدم بها إلى الأمين محمد ببغداد ومعه البردة والقضيب والخاتم فأكرمه الأمين وفوض إليه أموره فصار إليه الأمر والنهي‏.‏

ولما خلع الأمين أخاه المأمون من ولاية عهد الخلافة استخفى ثم ظهر في أيام المأمون فأعاده وفيها توفيت السيدة نفيسة ابنة الأمين الحسن بن زيد بن السيد الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمية الحسنية الحسيبة النسيبة صاحبة المشهد بين مصر والقاهرة وقد ولي أبوها إمرة المدينة لأبي جعفر المنصور مدة ثم قبض عليه وحبسه إلى أن أطلقه المهدي لما تخلف ورد عليه جميع ما كان أخذه أبوه المنصور منه وقد ذكرنا ذلك في محله‏.‏

وتحولت السيدة نفيسة مع زوجها إسحاق بن جعفر الصادق من المدينة إلى مصر فأقامت بها إلى أن ماتت في شهر رمضان من هذه السنة من غير خلف في وفاتها‏.‏

وهي صاحبة الكرامات والبرهان وقد شاع ذكرها شرقًا وغربًا‏.‏

وفيها توفي العتابي‏.‏

واسمه كلثوم بن عمرو بن أيوب الشاعر المشهور أحد البلغاء كان أصله من قنسرين وقدم بغداد ومدح الرشيد ثم أولاده الخلفاء من بعده وكان منقطعًا إلى البرامكة وكان يتزهد ويلبس الصوف‏.‏

ومن شعره فيما قيل مواليًا‏:‏ يا ساقيًا خضني بما تهواه لا تمزج اقداحي رعاك الله دعها صرفًا فإنني أمزجها إذ أشربها بذكر من أهواه قلت‏:‏ وهذا يشبه قول القائل ولم أدر لمن هو‏:‏ نديمي لاتسقني سوى الصرف فهو ألهني وفيها توفي مسلم بن الوليد الأنصاري مولى أسعد بن زرارة الخزرجي الشاعر المشهور كان فصيحًا بليغًا‏.‏

ومن شعره فيما قيل وقد رأيته لغيره وهو في مليح أعمى مضمنًا‏:‏ ‏"‏ الطويل ‏"‏ بروحي مكفوف اللواحظ لم يدع سبيلًا إلى صب يفوز بخيره سوالفه تفني الورى خل لحظه ومن لم يمت بالسيف مات بغيره قلت‏:‏ وهذا معنى ظريف فحضرني فيه مقطوع غير أنه من غير المادة‏:‏ ‏"‏ الخفيف ‏"‏ كانتا مقلتاه قبل عماها لقتال الورى تسل نصالا فأمنا قتالها حين كفت وكفى الله المؤمنين القتالا وفيها توفي الأمير موسى ابن الخليفة الأمين محمد بن الرشيد هارون العباسي الهاشمي الذي كان ولاه أبوه الأمين العهد من بعده وسماه بالناطق بالحق وخلع المأمون وقامت تلك الحروب التي كان فيها هلاك الأمين‏.‏

وكان موسى هذا عند جدته لأبيه زبيدة بنت جعفر وأمه أم ولد ومات وسنه دون عشرين سنة‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربعة أذرع وأربعة عشر إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وثمانية عشر السنة الثالثة من ولاية عبيد الله بن السري على مصر وهي سنه تسع ومائتين‏.‏

فيها قرب المأمون أهل الكلام وأمرهم بالمناظرة بحضرته وصار ينظر فيما يدل عليه العقل وجالسه بشر بن غياث المريسي وثمامة بن الأشرس وهؤلاء الجنوس‏.‏

وفيها ولى المأمون علي بن صدقة إمرة أرمينية وأذربيجان وأمره بمحاربة بابك وأعانه بأحمد بن الجنيد الإسكافي فقاتل بابك فأسره بابك فولى المأمون عوضه إبراهيم بن الليث‏.‏

وفيها حج بالناس أمير مكة صالح بن العباس بن محمد بن علي العباسي‏.‏

وفيها توفي بشر بن منصور الشيخ أبو محمد كان أحد العباد الزهاد المجتهدين كان يتجنب الناس ويتواري بالخلوة‏.‏

وفيها توفي الحسن بن موسى أبو علي الأشيب الحنفي الخراساني كان ولي القضاء بالموصل ثم حمص في أيام الرشيد ثم ولي قضاء طبرستان للمأمون وكان عالمًا عارفًا‏.‏

فيها توفي سعيد بن سلم بن قتيبة أبو محمد الباهلي البصري كان ولي بعض أعمال خراسان ثم قدم بغداد وحدث وفيها توفي الحسن بن زياد اللؤلؤي الإمام أحد العلماء الأعلام فقيه عصره أبو علي أحد أصحاب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه وكان أصله من الكوفة ونزل بغداد‏.‏

قال محمد بن شجاع الثلجي‏:‏ سمعت الحسن بن أبي مالك يقول‏:‏ كان الحسن بن زياد إذا جاء إلى أبي يوسف أهمت أبا يوسف نفسه من كثرة سؤالاته‏.‏

وقال أبن كاس النخعي‏:‏ حدثنا أحمد بن عبد الحميد بن الحارث قال‏:‏ ما رأيت أحسن خلقًا من الحسن بن زياد ولا أقرب ولا أسهل جانبًا مع توفر فهمه وعلمه وزهده وورعه وكان يكسو مماليكه كما يكسو نفسه‏.‏

وقال جعفر بن محمد بن عبيد الله الهمداني‏:‏ سمعت يحيى بن آدم يقول‏:‏ ما رأيت أفقه من الحسن بن زياد‏.‏

انتهى‏.‏

وكان دينًا قوالًا بالحق وقصته مع الرشيد في أمر يحيى العلوي ومحمد بن الحسن مشهورة‏.‏

وكانت وفاته في هذه السنة في قول وقيل‏:‏ في سنة أربع وهو الأصح رحمه الله‏.‏

وفيها توفي سعيد بن وهب أبو عثمان البصري مولى بني سامة بن لؤي‏.‏

كان شاعرًا مجيدًا‏.‏

كثر شعره في الغزل والمجون وكان مقدمًا عند البرامكة ومن شعره في سوداء‏:‏ ‏"‏ الكامل ‏"‏ سوداء بيضاء الفعال كأنها نور العيون تخص بالأضواء قالوا جننت بحبها فأجبتهم أصل الجنون يكون بالسوداء قلت‏:‏ وأحسن ما قيل في هذا المعنى قول القائل‏:‏ ‏"‏ المجتث ‏"‏ إن كان لليل بدر فأنت للصبح خال وفيها توفي عبد الله بن أيوب أبو محمد التيمي من تيم اللات بن ثعلبة أحد شعراء الدولة العباسية مدح الأمين والمأمون وغيرهما وأجازه الأمين مرة بمائتي ألف درهم دفعة واحدة في قوله الأبيات المقدم ذكرها في ترجمة الأمين لما ضرب كوثر خادم الأمين وأول الأبيات التي عملها عبد الله هذا‏:‏ ‏"‏ مجزوء الرمل ‏"‏ ما لمن أهوى شبيه فيه الدنيا تتيه وصله حلو ولكن هجره مر كريه وفيها هلك طاغية الروم ميخائيل بن جرجس وملك بعده ابنه توفيل‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمسة أذرع وثمانية أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وثمانية عشر إصبعًا‏.‏